كتاب في جينالوجيا الأخلاق فريدريك نيتشه PDF

وفريدريك نيتشة فيلسوف الماني ناقد ثقافي شاعر وملحن لغوي باحث في اللاتينية واليونانية كان لعمله تاثير عميق على الفلسفة الغربية وتاريخ الفكر …كان من ابرز المهتمين لعلم النفس وعالم لغويات متميز كتب نصوصا وكتبا نقدية حول الدين والاخلاق والنفعية والفلسفة المعاصرة المادية والمثالية الالمانية وكتب عن الرومانسية والالمانية والحداثة ايضا بلغة المانية بارعة … بدأ حياته المهنية في دراسة فقه اللغة الكلاسيكي قبل ان يتحول للفلسفة عمل استاذ كرسي اللغة في جامعة بازل حتى استقال بسبب المشاكل الصحية التي ابتلي فيها في معظم حياته واكمل العقد التالي من عمره في تاليف اهم كتبه .

هو يتحدث هنا مبدئيا عن ضرورة أن نعرف ذواتنا ونحن نناقش مشكلة فلسفية أساسية مثل “الأخلاق”. فى المقدمة يحاول أن يشرح قصته مع قضية الأخلاق، واهتمامه بالبحث عن أصل الخير والشر، يقول إنه فى البداية وكشخص مؤسس لاهوتيا قرر أن الشر مصدره الله، قبل ما يفرق بين اللاهوت والأخلاق ويقرر أن مصدر الشر لا بد وأن يكون هنا فى العالم، وما دام هنا فى العالم فهو مسألة تتحرك، تتطور بالشكل الداروينى، هذا سيمحو عن الأخلاق ثباتها وقدسيتها، وبالتالى بدأت أسئلته الأخلاقية يجاب عليها بالشكل الذى سنراه فى هذا الكتاب. يشرح نيتشه أيضا كيف أن بحثه عن أصول الأخلاق وأصول مفاهيم أخلاقية كالشفقة وإنكار الذات والتفانى، تلك المفاهيم التى احتفى بها شوبنهاور يؤدى إلى إثبات أنها عقبة فى وجه البشرية وهى التى تؤدى بها وبنا إلى العدم الذى هو سمة العصر والذى يصفه نيتشه بالعارض المزعج.

 الاخلاق بشكل عام هي جملة من القواعد يجد المنتمون الى المجتمع ذاته انفسهم ملزمين بالاحتكام اليها واتباعها كونها تبسط سلطاتها على العلاقات بين الافراد … تبدو الاخلاق نتيجة كل العادات والتقاليد التي يرتضيها المجتمع قواعد سلوك عامة تحكم العلاقات بين افراده ناهيك على ان قواعد السلوك هذه اقتضتها ضرورة الاجتماع البشري ..
ان مثل هذه الاخلاق المنافية للطابع الشخصي للانسان والمنكرة لحريته تجعل الفرد دائما يتملكه الشعور بالانصياع الى ارادة الاخرين بالخوف المستمر منهم انه ااخوف من ذكاء رفيع يصدر اوامره من قوة غير مفهومة وغير واضحة من شيء يتجاوز الفرد بما يدفع الى القول ان ثمة اذا ضربا من الخرافة في هذا الخوف على حد عبارة نيتشة فهذا الخوف غرسته الاخلاق المسيحية في ضمائر الناس لانها تحثهم على تطليق الدنيا والزهد فيها وتدعوهم بالمقابل للتشبع بالمحبة والسلام والعدل استعدادا للحياة الابدية التي يؤمنها لهم الاله الذي يؤمنون به على هذا الاساس بثت الاخلاق المسيحية الرعب والخوف في قلوب الافراد والجماعات ..
اي الاخلاق في ضوء التصور التقليدي لا تعدو ان تكون اخلاق القطيع فالاخلاق التقليدية ذات اليد الطويلة والسلطة العليا والمرجعية الدينية تفرض رقابة على افعال كل فرد من افراد المجتمع من اجل تقويم اخلاقه وبهذا تحقق هذه الاخلاق الناطقة باسم الدين غايتين بعمل واحد فهي من ناحية تضمن ولاء الفرد وطاعته المطلقة لها وتحقق من ناحية اخرى مكاسب مادية ومواقع سياسية متقدمة في المجتمع .

ان الفرد مجرد وسيلة يحافظ بها المجتمع على تماسكه واجتماعه ويرى نيتشه هنا ان الاخلاق حولت الانسان الى وظيفة وذلك عندما جعلته لا يستند الى القيمة الا باسم الوظيفة وبهذا يتفانى الانسان في طاعة الاخلاق والامتثال للاعراف السائدة بين افراد مجتمعه دون ان يحاول اثارة السؤال حول قيمة الاخلاق ومشروعيتها لا سيما ان الاخلاق تستمد قيمتها ومشىوعيتها الفكرية من الدين .

جينيالوجيا الاخلاق مصطلح نحته نيتشة وهو يعني ببساطه كل فعل تنجزه الفلسفة من اجل كشف النقاب عن الاوهام والخرافات والاحكام المسبقة التي نشأت حولها القيم …
لذلك لم تتعلق همة نيتشة بالبحث عن القيم في مجال يكون خارج العالم المحسوس الذي نعيش فيه وانما كان يذهب الى استجلاء الشروط التي انشأ بمقتضاها الانسان القيم بغية تاويلها لذلك رأى نيتشة من المفيد اعتماد منهج دقيق يتمثل في الجينالوجيا لمن يريد ان يعالج موضوع الاخلاق .

فقام نيتشة بعملية هدم جينالوحي لتاريخ الاخلاق باثارة جملة من الاسئلة عن قيمة القيم الاخلاقية وتدور هذه الاسئلة على الشك في طبيعة هذه الاخلاق ومصدرها وقيمتها ووظائفها من قبيل التساؤل عن منبع هذه القيم وعن من يقف وراء نشرها وذيوعها بين الناس وعن قدرتها على تمكين الانسان من نحت مصيره في الكون نفسه …