كتاب الفاكهة المحرمة أخلاقيات الإنسانية بول كيرتز PDF

يدور موضوع الكتاب حول علم الأخلاق الإنساني، المتأسس أولياً على إدراك الإنسان للخير والشر. وبمعنى أخر المعرفة العقلانية للخير والشر من دون إدانة أنظمة السلوك الأخلاقي الدينية. وفي هذا السياق يقول المؤلف بول كيرتز: “… إنَ الإنسانية العلمانية الأخلاقية التي سأفصل الكلام فيها في هذا الكتاب مبنية على أساس النظرية العلمية للطبيعة والطبيعة البشرية وهي تقوم على أساس المعرفة العقلانية للخير والشر. إن الأديان الأرثوذكسية التي تجذرت في العهدين القديم والجديد والقرآن وما شابهها من الكتب المقدسة تستلزم، وهي تبحث عن تبريرها بالرجوع إلى مرجع متسامي، ينظر إليه من أنه مانح لقيم باقية في الذهن من قبل ذلك…”.وفي هذا السياق يتطرق المؤلف إلى فكرة الخلق، والخطيئة، والخلاص، والإيمان عند الأديان السماوية الثلاثة، محاولاً إثبات أن الدين شيء والخلاق شيء آخر، قائلاً: ألم نصل أخيراً إلى اللحظة التاريخية التي يمكننا فيها أن نطلق، على نحو حاسم، الزواج التاريخي بين الدين والاخلاق؟ الم يحن الوقت الذي يجب أن تتحول فيه الحياة السلوكية جذرياً عبر النقاش النقدي الأخلاقي(…) ألم يحن الوقت الذي نساعد فيه على تسريع نمو علم أخلاق ذاتي ومستقل مبني على أساس الفكر النقدي ونضمن تاثيره من خلال إنشاء معاهد المستقبل؟…”
وعلى هذا المنوال يتناول المؤلف أهمية “علم الأخلاق الإنساني” في حياة الناس الذي يرى فيه أرضية أمينة للأخلاق اللائقة والرفيعة وللشعور بالمسؤولية الإنسانية؟ ويمكنه أيضاً أن يكون ملهماً لمؤسسة ثابتة من أجل حقوق الإنسان والرفاهية للناس أجمعين.

يستعرض الكتاب واحدا من أعمق الاسئلة التي ما فتئت الفلسفات بكل أشكالها ومدارسها تتعاطاها كما انها بصورة وبأخرى هي أحد أهم شواغل الكثير من العلوم سيما علم النفس والقانون

الكتاب يقع ضمن ثلاثة محاور رئيسة وهي :

مقدمة سعى الباحث من خلالها لتصوير الجدلية بين الأخلاق اللاهوتية والأخلاق العقلانية كما يسميها

ثم يأتي متن الكتاب والذي قسمه الباحث ضمن عدة عناوين كبرى ولم يقسمه فصولا وابوابا وقد جاءت هذه العناوين الكبرى لتخدم محورين

المحور الاول : المجادلة ضد الاخلاق اللاهوتية

المحور الثاني : استعراض المادة الاخلاقية وفق اطروحة الاخلاق العقلانية وقد احتل هذا القسم لا كعنونة وإنما كاشتغال فعلي ما يقارب ثلثي الكتاب

أتى الكتاب بصورة سرد متتابع غلب عليه في اكثر الاحيان الاسلوب الانشائي وكان ضمن مقدمته مسكونا بهاجس نفي الإله كقضية محورية تتردد في اغلب مقاطعه وصفحاته وكأنه بصدد بحث ايديولوجي لنفي الإله وليس بصدد البحث المقارن بين الأخلاق اللاهوتية والأخلاق العقلانية كما يسميها

ونحن في استعراضنا لمفاصل هذا الكتاب لن ننطلق من الأفق الضيق الذي سار خلفه الباحث أي اننا سنكتفي بالتعريف بالكتاب مع القيام بنقده بعيدا عن ايقونة اثبات الصانع وعدمه لأن مقتضى الاحتراف في الصناعة الفنية للبحث هو عقد المقارنة العلمية بين منهجين اخلاقيين كان الباحث يفترض وجود فوارق منهجية بينهما ولهذا سنتتبع هذه الفكرة بغض النظر عن وجود إله من عدمه

في المقدمة يشرع ( بول كيرتز ) بأيقونة مركزية حول ضرورة نفي الإله كمقدمة ضرورية في سبيل اشتقاق نظرية اخلاقية سليمة

” لو أننا أكدنا على أن الرب غير موجود حينذاك فحسب يمكننا التعرف تماما على أن البشر لديهم الاستقلال الذاتي وأننا مسؤولون عن أقدارنا وعن تميزنا عن غيرنا من البشر ”

يتبدى هذا النص كإطار مرجعي في تحديد أسس الخير والشر فكيرتز يزعم ان هناك معيارين لتحديد الخير والشر

المعيار الاول : لاهوتي يستمد معرفته وقيمته من الله

المعيار الثاني : وضعي يشتق معرفته وقيمته من الانسان ولكن شريطة غياب الرب كمقدمة موضوعية تحقق له الاحساس والشعور بذاته

*** هذه البداية شكلت فهما مغلوطا للأخلاق اللاهوتية لان جعل الحرية شرطا جوهريا لصحة الأخلاق بل شرطا لوجودها أمر غير منكر لا في الاخلاق الوضعية كما حسبها ( كيرتز ) ولا في غيرها من الأخلاقيات فالحرية هي الجذر الذي تبنى عليه النظرية الاخلاقية والقانونية في كل الفلسفات والديانات فنحن لم نجد ديانة اثقلت عاتق الانسان باي تكليف حال كونه مسلوب الارادة والاختيار كما انها لم تضع افعاله محل تصنيف معياري لا من الناحية الاخلاقية ولا من الناحية القانونية في حالة كونه مسلوب الاختيار

ان مركز الخطأ عند الباحث هو ما ادعاه من ان شرط الاخلاق في النظرية الاخلاقية اللاهوتية هو وجود الإله مقابل اشتراط وجود الحرية في الاخلاق الوضعية ولهذا نظر للاخلاق اللاهوتية على انها اخلاق جبرية شمولية

وهذا الامر غير صحيح البتة فالحواضر الدينية بكل أطيافها كانت ولازالت تعيش جدلا معرفيا حول نظرية الجبر والاختيار وقد انجزت بهذا الصدد الاف المقالات والبحوث مما يجعل هذا الاساس النظري للتمييز بين الاخلاق اللاهوتية والوضعية اساسا غير صحيح بل اكثر من ذلك لانه يشكل تحيزا غير موضوعي وللايغال في الاشكال اكثر اود ان احيل الباحث على ذات الجدلية في البحث العلمي سيما في مجال الهندسة الوراثية والتي اعادت تدشين الاتجاه الجبري من خلال ما تقدمه من تاثيرات عبر الهندسة الوراثية حين زعمت بعض الاتجاهات جبرية السلوك الانساني تحت تأثير مكتسباته الوراثية مما يجعل الاساس – الحرية – والذي تبناه كيرتز يتزلزل من تحت قدميه خصوصا وانه كما سيأتي ممن يبنون على منبعية الطبيعة العلمية