كتاب دراسات في الهندوسية دراسات في العقيدة والأديان محمود محمد مزروعة PDF

فإن دراسة الأديان من الدراسات المهمة التي عني بها الإنسان على مدى تاريخه الطويل، وظروفه المختلفة، وإمكاناته المتواضعة؛ وذلك لأمور كثيرة، أهمها: الأمر الأول: أن التدين دافع فطري، وميل غرزي في الإنسان، كدافع الجوع والعطش، لا يمكن للإنسان أن يحيا بدون إشباع لذلك الدافع، كما أنه لا يمكن أن يحيا دون طعام أو شراب؛ وذلك يفسر لنا مسلكين عجيبين في حياة البشرية المسلك الأول: التزام البشرية كلها -على مدى تاريخها، وفي جمع البفل والأقاليم والأزمنة التي مرت بها- بالتدين، بحيث لم يمر زمان، ولم يو جذ مكان إلا وكان الإنسان في ذلك الزمان وذلك المكان متدينا، ليس مهما نوع ذلك التدين أو موقعه من الحق والباطل؛ بل المهم هو وجود الدافع نفسه، ثم ضرورة إشاعه؛ ولذلك جاءت مقولةا فا نا القد الذ قال: ايمكن أن تجد مدينة بلا أسوار، وبلا حكومة، وبلا شرطة، ولكن محال أن تجد مدينة بلا معبدها”، فالدافع موجود، وهو فطري غرزي، وضرورة إشباعه هي في ضرورة إشباع الجوع بالطعام، والعطش بالماء، أو هي أشد منهما، وما ينبغي هنا أن نقيم وزنا لاختلاف ماهية الإشباع ونوعه، وما إن كان صالحا أو غير صالح؛ فإننا نهتم من قبل ذلك بوجوده وحتمية إشباعه، بل إن إشباع الدافع بما يخالف الوضع الطبعي لإشباعه لهو أقوى في الاستدلال على أصالته من إشباعه بما هو صالح له؛ لأن إشباعه بما لا يصلحه دليل على حتمية ذلك الإشباع، إلى حد أن المرء إذا لم يجد الصالح لإشباعه أشبعه بالشيء الفاسد؛ لأنه لا يملك إلا إشباعه، وذلك كالإنسان الذي لا يجد الماء الصالح لإشباع عطشه فإنه سيشرب الماء النجس أو الملوث، وشربه الماء الملوث دليل على أن حتمية الإشباع أقوى من شرب الماء الصالح، ولقد أحل الله – تعالى – أكل الميتة والدم ولحم الخنزير لإشباع الجوع لمن لم يجد غيره، فيأكل من هذه على قدر ما يمسك حياته ويشبع حاجته، ولا يزيد وإلا فهو باغ وعاد،