كتاب إيران وصراع الأصوليات في الشرق الأوسط سياسات تعميم الفوضى الإقليمية ودور إيران فيها أحمد التلاوي PDF

هذا الكتاب، هو الرابع ضمن المشروع الفكري الذي بدأه المؤلف مع مركز الإعلام العربي، في العام 2012م، ويختص بدراسة قضية الدولة والعمران في الإسلام، وما شابها من تجاوزات وأخطاء، وحتى خطايا، من جانب بعض الحركات والأنظمة في بلداننا العربية والإسلامي، والتي تنسب نفسها إلى المشروع الإسلامي.

ولقد قادت هذه الأخطاء والخطايا، إلى العديد من المشكلات أمام حركة الدعوة الإسلامية، والمشروع الحضاري الإسلامي الذي يقوم على أسس العمران السليمة وقوانينه، التي وضعها الله عز وجل في خلقه.

وكان ولم يزل الباعث الرئيسي لهذا المشروع هو استجلاء الحقائق والدقائق المتعلقة بسُنن التغيير والإصلاح، وقواعد العمران الإنساني، بشكل عام، وكيف أكد عليها الإسلام، ودعا إليه، من خلال الروافد الأساسية للشريعة، وعلى رأسها القرآن الكريم وسنة الرسول الخاتم “صلَّى عليه وسلَّم”، وما قام به خلال سنوات البعثة، وخصوصًا خلال سنوات الدولة التي أسسها وقادها في المدينة.

الرافد الثاني المهم، وهو كذلك نابع من القرآن الكريم، هو الرافد التاريخي؛ حيث إن دراسة التاريخ تنبئ عما هو صواب وما هو خطأ في سُنن العمران البشري وهلاك الأمم وعوامله، وفق القوانين التي أرساها الله تعالى في هذا الكون.

يرتبط بذلك، قضية مهمة، وهي تبيان الانحرافات فيما يقوم به بعض المسلمون في هذا الاتجاه، وكذلك تبيان من يتلبَّس برداء الدين، ويضعه واجهةً لمشروعات سياسية، ذات أبعاد قومية شوفينية ومذهبية عنصرية، لا علاقة لها بالدين، ولا مشروع الإحياء الحضاري الإسلامي، بل إن كل ما يعنيه بها أصحابها، هو تحقيق مصالح ضيقة تتعلق بعصبيات قومية ومذهبية، أو مصالح سياسية خاصة بأنظمة وجماعات.

كانت الدولة بالمعنى القانوني والسياسي والمؤسسي القائم حاليًا في الخريطة الجيوسياسية العالمية، محورًا مهمًّا من محاور هذا المشروع، في ظل الخلاف الذي نشب بين الحركات الإسلامية، ما بين دعاة الإصلاح ودعاة هدم الدولة، وإقامة كيانات أخرى محلها، في صورة إمارات أو كانتونات مغلقة على المجموعات التي أقامتها، تتحالف فيما بينها مع بعضها البعض، لكي تصنع كيانًا جديدًا أوسع وأشمل، أطلقت عليه الجماعات المحسوبة على تيارات السلفية الجهادية المختلفة، مصطلح “دولة الخلافة”.

في هذا الإطار، يسعى هذا الكتاب الذي بين أيدينا إلى مناقشة عدد من القضايا المرتبطة بهذه المسائل جميعها، فيتوسع في تناول نظرة الشيعة وقضية الدولة والعمران عبر التاريخ، من خلال النماذج الأهم لدولة الشيعة، سواء التي أقامت عمرانًا، كما في حالة الأدارسة في المغرب العربي، و\الفاطميين في مصر، والصفويين في إيران، أو تبنت الطريقة الهدامة لزعزعة استقرار دولة الخلافة السُّنِّية، في محطات ضعفها، كما في حالة القرامطة والزنج، وثورات الشعوبيين التي دعمتها فرق الشيعة الهدامة عبر التاريخ، وخصوصًا الإسماعيليين، مثل الطائفة النزارية، التي أسسها الحسن بن الصبَّاح، والتي أسس لأول فرقة اغتيالات في التاريخ السياسي الإسلامي، وهي طائفة الحشاشين أو الفدَّاوية.

ومن خلال عاديات التاريخ، وكبار الحوادث التي شهدتها منطقتنا العربية والإسلامية، في الألف سنة الأخيرة، يقرأ الكتاب عناصر الدولة والسلطان عند الشيعة، والتي أخذت شكلها الحالي في مرحلتَيْن أساسيتَيْن، الأولى، هي الدولة الصفوية التي ظهرت في القرن الخامس عشر الميلادي، والتي أسست لثنائية “فارسي/ شيعي” في حركة الإمبراطورية الإيرانية في المنطقة، والثانية، هي الدولة الحالية التي أسسها رجال الدين الشيعة، بعد الإطاحة بنظام شاه إيران الأخير، محمد رضا بهلوي، آخر السلالة البهلوية، التي لم تحكم إيران طويلاً؛ حيث حكمت منذ بدايات القرن العشرين فقط، بعد أن أطاحت بأسرة القاجار، التي كانت قد ظهرت بدورها على أنقاض الدولة الصفوية.

ولا يقف الكتاب أمام التاريخ – أو هو ينطلق منه – إلا لتأييد فرضية مهمة يطرحها، وهي أن إيران في الوقت الراهن، لا تتصرف بمنطق مُستجد، حتى في تعاونها مع القوى الاستعمارية الأجنبية، وقوى الاستكبار العالمي، ضد أبناء الدين الواحد، لتحقيق مصالحها؛ وإنما هي تسير على قواعد حاكمة للسياسة الإيرانية، منذ عهد الإمبراطورية الفارسية، خصوصًا في قرون نهضتها الكبرى، إبان الدولة الأخمينية والدولة الساسانية، وهي آخر إمبراطورية فارسية ظهرت، قبل أن تصبح بلاد فارس جزءًا من دولة الخلافة الإسلامية.

كما تمت الاستعانة بالمنهج التاريخي في الكتاب من أجل التأكيد على مجموعة من الحقائق المرتبطة بالمشروع الإقليمي الإيراني حاليًا.

الحقيقة الأولى، أن الهوية الأصلية للمشروع الإيراني، هي هوية قومية، ذات طابع شوفيني عنصري يلغي الآخر، وهو في حالتنا هذه العربي السُّنِّي، وإنما المذهب الشيعي أداة للمشروع، وحتى المذهب الشيعي لدى الإيرانيين؛ يختلف عن نظيره عند العرب في الماضي؛ حيث صبغ الفُرس المذهب بصبغتهم، مع اعتماده رسميًّا كمذهب للدولة، على أيدي السلطان إسماعيل الصفوي، مؤسس الدولة الصفوية.

الحقيقة الثانية، أن العداء الحالي للعرب، إنما هو متوارث منذ التاريخ، وتأتي الممارسة الإيرانية الحالية في المنطقة لتعكس ضغائن مئات الأعوام، بعد أن فتح عمر بن الخطاب وجنوده، بلاد فارس ودالت أمامه إمبراطوريات العالم القديم بأسرها؛ فهم لن ينسوا ذي قار ولا دومة الجندل ولا القادسية؛ أبدًا!..

الحقيقة الثالثة التي يسعى هذا الكتاب لإيضاحها، هو كيف تشارك إيران في مشروع الفوضى الهدامة الذي أسسته الولايات المتحدة وحلفاؤها في أوروبا وفي المنطقة، من أجل هدم أسس المجتمعات العربية، وإدخال المنطقة في آتون صراعات داخلية، تدمر الأخضر واليابس، وتدخل أمة العرب، أساس الأمة الإسلامية، وأساس حضارة الإسلام، في نفق حضاري مظلم.