أما بعد فقد جرى عمل المسلمين في أمر التعليم من العصر الأول على جعل لغة
العرب في المقام الأول» وأنّ على كل مسلم أن يبذل وسعه في تعلّم أسرار هذا اللسان» وما
ينبغي العناية به منه» من تحفّظ أشعار العرب القدامى وشريف نثرهم ونبيل خاطباتهم؛
يشا على ذلك صغيرهم ويهرّم عليه كبيرهم. وديارٌ الإسلام عامرة بهذا من أقصاها إلى
أدناهاء وحيثما حل الإسلام حل معه هذا التصرّر. قال الإمام الشافعيٌ :ا في رسالته:
«… فعل كل مسلم أن يتعلم من لسان العرب ما بلغه جُهْذُ؛ حتى يَشْهَّد به أن لا إله
إلا الله؛ وأنّ محمدًا بده ورسوله» ويتلوّ به كتابٌ الله ويَنطقٌ بالذكر فييا افترّض عليه
من التكبير وأمر به من التسبيح والتشهد وغيرٍ ذلك» وما ازداد من العلم باللسان الذي
جعله الله لسان مَن ختّم به نبوّته وأنزل به آخرٌ كُتبه كان خيرًا له4.

وكان حفظ ما جادت به قرائح العرب الأولين نظيًا ونثرًا من أظهر أساليب ضبط
هذه اللغة للتفاذ إلى تذوقهاء والإحساس بجيلهاء والحفظً أمرٌ يقتضيه حُسن النظر إلى
قانون التدرّج الكامن في طبيعة البشرء وهو معينٌ على الفهم متى انضافت إليه الفطنة»
وق علمٌ يَصلح بلا حفظ» وكذلك استمرّ الأمر في بلاد الإسلام من أرض العرب
والعجم إلى أن ظهرت أوائلٌ العصر الحديث ثورةٌ خفية على هذه اللغة وعلى أساليبهاء
وكانت في بدء أمرها نوعًا من الغّيرة» فأقبل جاعةٌ على استدراك أشياء يرون أنها من
التجديد» وكان في تجديدهم طعنٌ خفيّ في أساليب علماء الإسلام» وفي المحافظة التي
كانت عليهاء ثم صُرّح بذلك.

أما بعد فهذه طرّة على قصيدي «بانت سُعاد» لكعب بن زهير» ولأقيموا بني
أمي» للشنفرى بن محارب الأزدي.

وهذه الطرة عبارةٌ عن كلماتٍ تفسّر بعض ما أشكل من عبارات الشاعر باختصارٍ
رجاءً حفظها حتى تصبح كالنص الذي حفظُه ضمان للتحصيل. وكنت كعادتي وعادة
غيري من طلاب المحاضر تاقّيتها من أفواه المشايخ الذين تلقّوها من أشياعهم أيضًاء
فأردتُ أن أقيّدها بعد حفظها حتى لا تضيع من الدفاتر إذا ضاعت من الحفظ الذي من
أجله قرئت ودون غيرها اختّصرت.