(… هناك ليال يحدث لك فيها أنك ما إن تنام، حتى يطيرُ بك السرير نحو روسيا)) هذه العبارة هي سطر من قصيدة كتبها فلاديمير نابوكوف الذي عُرف دائماً بأنه أكثر الكتّاب الأجانب أميركيّة، إلى درجة اعتقد معها الملايين من قراء رواياته أنه نسي روسيا تماماً… لكن من قرأ واحداً من أجمل كتب نابوكوف، وهو سيرته الذاتية التي وضع صيغتها للمرة الأولى عام 1947 ثم عاد وطبعها وعدلها، مضيفاً إليها بعد ذلك، سيكتشف بكل يسر وهدوء أن نابوكوف لم يهجر روسيا أبداً… بل حملها معه حيثما حل وارتحل.

يكتب نابوكوف هذه المذكرات في صيغة مقالات مستقلة ومترابطة، مسترجعا سنوات حياته الأولى منذ طفولته حتى منفاه الأوروبي ولا تتضمن سنواته في أمريكا. المذكرات لا تسير في خط زمني ثابت، بل أن المقالات مقسمة حسب مواضيعها/ثيماتها: المعلمين، شغف صيد الفراشات، والده، دراسته في كامبريدج، الحب الأول، وأبوته للطفل الأول، وغيرها.

يملك نابوكوف نفسا ساخرا وممتعا في السرد. يحشد الكثير من التفاصيل لذكرى تلك الأيام. أعجبتني المقالات بدرجات متفاوتة، وقد يكون الفصل المخصص لوالده أحد أكثرها تشويقا، وتمنيت أن يستمر أكثر ويتحدث أكثر عن الطريقة المأساوية لموت الأب. لقد كان جديدا بالنسبة لي الاطلاع على الحياة الراقية التي عاشها نابوكوف في قصر مليء بالخدم وفي عائلة ثرية قبل الثورة البلشفية، وكذلك الخلفية السياسية التي جاء منها لأب معارض للنظام (أو للأنظمة، منذ القيصر وحتى البلاشفة).

يتحدث نابوكوف في أحد الفصول عن شغفه بمطاردة وصيد الفراشات. أما طوال الفصول فهو لا ينفك عن الاشارة للفراشات كما لو كانت علامة على الزمن في الذاكرة، وهي أيضا تطبع اسلوبه وتوصيفاته للأحداث والمشاهد.

بشكل عام هي سيرة ثرية وجميلة لحياة نابوكوف، وللتنويه فهي لا تتضمن الا القليل عن سيرته الأدبية (بداياته الأولى في كتابة الشعر).