شهد القرنان الأخيران نهضة فكرية ملفتة في مجال البحث والتنظير في قضية العلاقة بين الحقوق والواجبات، وانقسم المنظرون بين مرجح للواجب على الحق، وبين ميال إلى عكس ذلك… وقد وجهت إلى الفقه الإسلامي تهمة محاباة الواجب على حساب الحق… وأنه مسكون بهاجس التفتيش عن واجب العبد تجاه الرب (سبحانه وتعالى)، وعن سبل أداء هذا التكليف للوصول إلى فراغ الذمة…. وما شابه من التعبيرات التي تساق في هذا الاتجاه. وربما ساهدت بعض العناوين الفقهية والأصولية على تظهير هذه “التهمة” كما يراها أصحاب هذه الدعاية. وإليك هذه المفاهيم: “حق الطاعة”، “أصل البراءة”، “أصل الاحتياط”، “الاشتغال اليقيني يستدعي الفراغ اليقيني”… إلى غير ذلك مما طفحت به كتب الفقه الإسلامي وأصوله، وعلى ضوء ذلك قيل: “إن القانون في أكثر مدارسه وتياراته مسكون بهاجس “الإنسان صاحب الحق”، وأما الفقه فإنه مشغول بالإنسان المكلف”. ويأتي هذا الكتاب المشتمل على مجموعة من الحوارات المعمقة لمعالجة جوانب الإشكالية وما يحيط بها من هواجس، بهدف رد النقد والدفاع عن الفقه الإسلامي، كما تسعى هذه المحاولات الحوارية في سبيل تظعير الفلسفة الحاكمة على الرؤية الفقهية، التي يصدر عنها الفقهاء وإليها يردون..