كتاب تحولات شعرية جابر عصفور PDF

تحدث النقاد العرب القدماء عن الشعر بوصفه ديوان العرب، يقصدون بذلك إلى أن الشعر ذاكرة الأمة الحافظة لتاريخها، الواعية لأحداث حاضرها، اليقظة إلى المتغيرات التى تصوغ أفقا واعدا لمستقبلها. ولم تكن هذه الدلالة بعيدة عن أذهان أولثك النقاد القدماء الذين ردوا بعض قيمة الشعر إلى قدرته على تصوير الجوانب المادية والمعنوية من حياة العرب. وكان تصوير الجوانب المادية قرين ما قاله ابن طباطبا العلوى – أحد نفاد القرن الرابع للهجرة، فى كتابه «عيار الشعر، – من «أن العرب أودعت أشعارها من الأوصاف والتشبيهات والحكم ما أحاطت به معرفتها، وأدركه عيانها، ومرت به تجاريها، وهم أهل وبر صحونهم الـبوادى وسقوفهم السماء، فليست تعدو أوصافهم ما رأوه منها وفيها، وفى كل واحدة منهما فى فصول الزمان على اختلافها. . . فتضمنت أشعارها من التشبيهات ما أدركه من ذلك عيانها وحسها». أما تصوير الحياة المعنوية فكان يعنى أن الشعر العربى يختزن القيم المختلفة فى حياة العرب ويجسدها على امتداد العصور، ويقوم بتصويرها رغم اختلاف شروط الزمان والمكان، فهو حافظة القيم التى ينطوى عليها الوعى الجمعى والفردى، وهو الذاكرة اتى تعكس ما فى الطبائع والنفوس العربية «من محمود الأخلاق ومذمومها، فى رخائها وشدتها، ورضاها وغضبها، وفرحها وغمها، وأمنها وخوفها، وصحتها وسقمها». باختصار، الشعر هو الذاكرة التى تحفظ الحياة العربية فى تجلياتها اللانهائية «فى خلقها وخلقها من حال الطفولة إلى حال الهرم، ومن حال الحياة إلى حال الموته .