كتاب الزمن أطلالا مارك أوجيه PDF

يتوقف الأنثروبولوجي الفرنسي الشهير “مارك أوجيه” في كتابه الجديد “الزمن أطلالا”، عند عدد من المحطات الجغرافية، يعرض لنا من خلالها مواقع ذات قيمة تاريخية ودلالات إنسانية معينة، فينتقل بالقراء من شاطئ الألاديين فى ساحل العاج، إلى رحلة فرويد وأخيه لسواحل اليونان، مرورا بموقع تيكال فى غواتيمالا، ثم الكونغو، برلين، روما وباريس.

الفكرة الرئيسية في هذا الكتاب هي فكرة انتروبولوجية ثقافية تتناول الفرق في النظر إلى الزمن وعيشه في عصري الحداثة وما بعد الحداثة. لكن هذا الكتاب ليس نظرياً قط بل هو تجسيدي وتجريبي في تحسّس الزمن وعيشه، وخصوصاً الزمن المكثّف في أطلال العمران. فمن منا لم يعش تجربة وقوفه صامتاً متأملاً أمام الآثار والأطلال شاعراً أو مفكراً بذلك الزمن المتكلس في صميم الأحجار. الأحجار التي ليست في الطبيعة بل تلك القائمة في الطلل أو في بقايا الآثار، أي الأحجار المنحوتة والمرصوفة فوق بعضها التي شيدتها أيدي بشر قدامى انقرضوا تماماً.

هذا هو الزمن الذي تعرّفنا عليه الأحجار حين تجعلنا نحس بالزمن الصافي من دون أن يلخصه لنا التاريخ أو ينهيه في وهم المعرفة أو الجمال.

يعرّج مارك اوجيه في تأملاته على الكتابة فيرى ان الكتابة تتطلب أولا العودة إلى بيتنا على الأقل. وذلك لإقامة مسافة بين التجربة الميدانية المعيشة وفعل الكتابة وزمنها المختلفين تماماً عن زمن العالم. وذلك ليقول ان الكتابة هي أطلال الزمن وتجاربنا الماضية. والمسافة هي التي تستطيع أن تحدّد ما هي الذاكرة. فالتذكر لا يتشكل إلا عن بعد، أما عالم الانتروبولوجيا فيتكلم عما تراه عيناه: عن المدن والأرياف، عن المستعمِرين والمستعمَرين، عن الأغنياء والفقراء، عن السكان الأصليين والمهاجرين، عن الرجال والنساء. ولكنه يتكلم خاصة عمّا يوحدهم ويفرّق ويربط بينهم. إنه يتكلم عن الآثار الناجمة عن أشكال العلاقة هذه.

يختلف تأمل الاطلال عن السفر في التاريخ، بل هو تجربة الزمن الخالص. التاريخ شديد الثراء والتنوع والعمق ولا يُختزل بعلامة حجرية أفلتت منه أو بعمل مفقود يجده الأثاريون الذين ينقبون في ثنايا المكان والزمان.. اما مشهد الطبيعة فيشكل لدينا شعوراً غامضاً وبالغ السعادة، لأننا حين نكون في الطبيعة حيث لم يتدخل الانسان بعد، انما نكون خارج التاريخ وخارج الزمن وخارج الأقدار الفردية والجماعية. في الطبيعة نشعر أن لا شيء يضيع ولا شيء يُمتلك ولا شيء يخلق. والطبيعة بهذا المعنى لا تلغي التاريخ فحسب بل تلغي الزمن.

أما الأطلال فتضيف إلى الطبيعة شيئاً لم يعد له وجود في التاريخ رغم ارتباطه بالزمن. لا يوجد منظر من دون إبصار ومن دون استيعاب لهذا المنظر. ومنظر الأطلال الذي لا ينقل أي ماض كامل بل يلمّح ذهنياً إلى مواضٍ عديدة، هو منظر ذو كناية مزدوجة ضائعة وراهنة، ولكنها مجانية. انه يضفي على الطبيعة علامة زمنية. أما الطبيعة فتنهي في المقابل إدراجها في التاريخ منسحبة نحو اللازمني. الزمن الخالص هو ذاك الزمن الذي يفتقر إلى التاريخ. ويستطيع المرء وحده أن يعيه ويقدر مشهد الاطلال أن يمنحه حدساً ولو بشكل عابر