عرفته في عنفوان شبابه، صدرٌ كالصُّندوق على فخذين كعضادتين، وهامة تُثبِت للعلماء أنه كان على وجه الأرض عمالقة، في مشيته شيء من الخيلاء يبرئ تسميتها غطرسة، كأنَّ خُطُواتِه موقَّعة إيقاعًا أو مُقسَّمة بالبيكار، مشيَ السحابة لا ريثٌ ولا عَجَلٌ، ولكن ليس إلى بيتِ جاراته.
يتزيَّا بزيِّ العلماء ويتوقَّر مثلَهم، فأبداه غنبازه «الديما» أطولَ مما هو، هو متأنِّقٌ في كل شيء حتى الحديث، كان يرطُل كلَّ كلمة ويروزها قبل أن تنطلق في الهواء، رأسه ثقيلٌ كما يعبِّر العوامُّ عن الرصانة، يدور على قدميه بكلِّ مهابة، إن التفت كأنه مصراعُ بوَّابة الدير المصفَّحة، فلا تسمع منه جَلنْبَلق كما أكد لنا أبو عثمان المازني إذ حدثنا عما يقوله مِصراعَا الباب عند الغلق والإصفاق.
فحصت ضميري فحصَ مؤمن مُوسوس قبل الاعتراف لأتذكر ابتسامتَه فأصفها، فما تذكرت قط أني رأيته باسِمًا، أذكر أن لثته كانت محمرةً، ولهذا حكاية رأيتها وأنا ابن خمس حين كان يعلمنا الألفباء؛ قال لأحد رفقائنا النُّجباء: قاف. فانتصب بوجهه كالمارد، فغضِب المعلِّم لهذه البَلَادة، هو يريد الحرف المعروف لا الوقوف، فرفع شفته العليا وأرخى السفلى، وربسَه بيديه ساخطًا.
استيقظتْ في المعلِّم الجُرثومةُ اللبنانية فهاجر إلى فلسطين، وعاد بعد سنوات ومعه عَروس، كان عرسُه أوَّل الأعراس التي شهدتها، جماهيرُ زاحفةٌ بتلك الهدية العسلية، غناء وحداء وزغردة، الملبَّس والرز والقمح تتناثر من كل بيت تمر به العروس، وأيدٍ لطيفة تلوِّحُ بالقماقم راشَّةً عليها وعلى مَوكبِها ماءَ الزهر والورد. العريس على السطح منتصِب فوق الباب الذي تدخل منه العروس، لصقت العروس الخميرةَ على العتبة، وانهالت عليها ضربًا بالرمان ورَشقَت به الناس، ثم نزلت عن الفرس ودخلت عشَّها الجديد. كانت أُمُّ العريس تصطنع الابتسام وترحِّب بكنَّتِها العتيدة طائفةً حولها بصحن البَخُور؛ كانت تبخِّرُها وتدرسها درسًا فيزيولوجيًّا. الثياب جميلة والزِّي طريف، العروس بنت مدرسة ولكنَّ وجهها الديناري يدل على أنها قليلة جدًّا؛ ذراعٌ كالمِسلكة، وساق كالمِغزل، ويدٌ كأصِّ الكبَّا.
مارون بن حنا بن الخوري يوحنا عبّود (1886 – 1962)، كاتب وأديب لبناني كبير..[1] ولد في عين كفاع (من قرى جبيل).
في سنواته في المدرسة أبدى ميولا أدبية وتفوق في مجال اللغة العربية كما أصدر في عامه الدراسي الأخير مجلة أدبية أسماها الصاعقة. كان قد بدأ بكتابة القصائد ونشر بعضها في جريدة الروضة. أدخله أهله إلى مدرسة مار يوحنا مارون، التي أمضى فيها أربعة أعوام، لكنّه رفض الاستمرار فيها لأن أباه كان يقصد بإلحاقه بها أن يهيئه للحياة الكهنوتية، ما رغب عنه مارون ورفضه رفضاً قاطعاً. بعد ذلك التحق بمدرسة الحكمة حيث أمضى سنتين. وقد وجد مارون في هذه المدرسة الجو المؤاتي لتفتح مواهبه الأدبية، واحتكّ بعدد من الطلاب المولعين بالشعر أمثال: رشيد تقي الدين وأحمد تقي الدين وسعيد عقل.
تحميل كتب الكترونية PDF مميزة
- كتاب جلسة سرية جان بول سارتر PDF
- كتاب أوراق على شجر أنيس منصور PDF
- كتاب ريتشارد دوكينز عالم غير أفكارنا الان جرافن PDF
- كتاب المرشد الكامل للمشروعات الصغيرة ستيفن دي شتراوس PDF
- رواية غزة تحت الجلد سلمى الدباغ PDF
- كتاب السباحة في بحيرة الشيطان غادة السمان PDF
- كتاب تاريخ تركيا المعاصر حميد بوزرسلان PDF
تحميل كتب لــ مارون عبود PDF
مقتطفات من الكتاب PDF
تحميل كتاب وجوه وحكايات مارون عبود PDF
يبني الإنسانُ بيوتاً لأنه يعرف أنه حي ، لكنه يكتب كتباً لأنه يعرف أنه فانٍ.وهو يعيش ضمن جماعات لأن لديه غريزة التجمع ، لكنه يقرأ لأنه يعلم أنه وحيد
– دانيال بناك
- غير معني بالأفكار الواردة في الكتب .
- الملكية الفكرية محفوظة للمؤلف في حالة وجود مشكل المرجو التواصل معنا .
نرحب بصدر رحب بكل استفساراتكم وارائكم وانتقاداتكم عبر احدى وسائل التواصل أسفله :
- صفحة : حقوق الملكية
- صفحة : عن المكتبة
- عبر الإيميل : [email protected]
- عبر الفيسبوك
- عبر الإنستاغرام : إنستاغرام
اكتشاف المزيد من موقع المكتبة نت : تحميل كتب إلكترونية مجانية
اشترك للحصول على أحدث التدوينات في بريدك الإلكتروني.