كتاب المؤرخون في مصر في العصر العثماني إلى ظهور عبد الرحمن الجبرتي 1170/923هـ أبو وردة السعدني PDF

 فإن علم التاریخ من العلوم التي أولتھا الحضارة الإسلامیة عنایة كبیرة واھتماماً وافراً، ولا
أدل على ذلك من تلك الأسفار العظیمة التي حفظت للمسلمین تاریخھم وحضارتھم ونشاطھم المتعدد
الجوانب والمتنوع الأغراض، ولقد أسھمت مصر الإسلامیة في ھذا المضمار بقسط وافر وباع
طویل؛ إذ خصت علم التاریخ بعدد كبیر من علمائھا الأفاضل، الذین وھبوا تاریخ مصر والعالم
الإسلامي أضخم وأنفس مجموعة من الموسوعات، التي امتازت بالشمول والاتساع، وتدوین
حوادث عصرھا بطریق المشاھدة والمعایشة.
وظل الأمر على ھذا المنوال الكریم، وذلك المنھج القویم، إلى أن دخلت مصر في حوزة
العثمانیین سنة 923ھـ-1517م، فمنذ ھذا التاریخ وحتى أوائل القرن الثالث عشر الھجري )التاسع
عشر المیلادي( نجد تاریخ مصر إبان ھذه الحقبة الطویلة یكتنفھ كثیر من الغموض؛ لقلة المعروف
من الكتب التاریخیة التي أرخت لمصر في العصر العثماني قبل ظھور الشیخ “عبد الرحمن
الجبرتي،” بكتابھ الشھیر “عجائب الآثار في التراجم والأخبار.”
وكأن مصر في العصر العثماني قد أقفرت وأجدبت، فلم تثمر مؤرخا یرصد حركة الحیاة
فیھا، أو كأنھا قد أصیبت بالعقم، فلم تعد قادرة على إنجاب مؤرخ یستكمل مسیرة أسلافھ من
المؤرخین!
فكان ھذا الأمر من العوامل التي دفعتني لاختیار ھذا الموضوع؛ لأحاول إماطة اللثام،
وإزالة الحجب والأستار التي حجبت الأنظار عن مؤرخي مصر في تلك الحقبة