إنضموا إلينا عبر Telegram :
أو مجموعتنا على الفيسبوك :
أو على اليوتيوب :
مراجعة رواية ترمي بشرر عبده خال بين أيدين التي فازت بجائزة البوكر ، تمكن الكاتب ببراعه عالية من امتلاك انتباه القارئ والتحكم في ايقاع تتبعه لأحداثها، فيما جاءت مفرداته تصف بدقة الأحداث والأشخاص مما يشعر القارئ انه يعيش مشاهد صور كثيفة التفاصيل، عالية الجودة، وليس كلمات رواية يقرأها.
ماجعل رواية ترمي بشرر قريبة إلى النفس وجاذبه للمضي فيها هو قربها الشديد من واقعنا في المنطقة بأسرها وليس في السعودية حيث دارت أحداث الرواية، اذ تتحدث عن واقع التسلط، استباحة الملك والمال العام، الازدواجية المخيفة التي تتركنا في شك من كل من يبالغ في اظهار التقوى، هزال القانون وانهيار القيم لدى المرأة والرجل على حد سواء في رحلة البحث عن توفير العيش الكريم الذي تتفاوت تعريفاته. في الرواية، كما في الواقع، تتلاشى الكرامة تنتهي في اليوم الذي توضع فيه الخطوة داخل القصر .
تستخرج الرواية من ذاكرة كل منا السيّد الذي نسمع به في المجالس المغلقة ونقرأ عنه في قنوات النشر غير المرخصة. ان لم يكن سيداً مباشراً فهو سيد حاكم في وزارة او في قصر او في مكان ما بسلطة طاغية، في موقع يسمح له بالتمادي دون أن يُسأل، ويتمادى في اتيان الفواحش حتى يمل منها ويبحث عما هو افظع، ليؤكد لنفسه انه يحاسِب ولا يُحاسب وليُبقى على مستوى متعته المريضة المتولده من ذلك، عاليه.
طفحت رواية ترمي بشرر بالجنس… كان الجنس محورا اساسيا في حياة طارق، ابن الحي الذي اشار له بالقول “الفحولة شارة فخر لرجالات الحي”، فمن لذة الاحتكاك بدفء جسد آخر – لايهم ان كان جسد فتاة أو ولد- الى القفز على ظهور النعاج، الى الاعتداءات على الاولاد في الحي بمنطق الافتراس قبل ان الوقوع كفريسة، حتى المشاركة في خيانة الزوجات للازواج ثم العبث الذي يدور في الجناح الماجن من القصر وحتى مهنته الأخيرة التي بقى فيها 30 عاما، استخدمت فيها فحولته كعصا تأديب للانتقام من أعداء السيد وتعذيبهم/تأديبهم، وانتهاء بالمجازفة بحياته وملاحقة فتاة السيد من أجل الجنس. طارق كان بطلا أساسيا في كلٍ من هذه الادوار.
أحداث رواية ترمي بشرر والتي تدور على مدى اكثر من ثلاثة عقود من الزمان أخذت بطلها في رحلة سقوط تدريجي . لم يكن سقوط طارق خارج ارادته بشكل كامل، فقد تراكمت فيه عوامل كثيرة تشكلت خلالها محطات رحلة الانحدار، لتهيؤه لقبول السقوط وبملء ارادته.
في نقطة ما من حياة طارق، تضافرت عوامل عده لتضعه على حافة السقوط، وبرغم ان الهاوية بدت قريبة منذ الصفحات الاولى التي زها فيها باعتداءاته على عرض اولاد منطقته ، الا ان طارق، بكل مكوناته الشخصية والمجتمعية السيئة، اختار لها ان تكون سحيقة، واختار لسقوطه ان يكون متشعب الاتجاهات…اختار ام اختير له ان يهوى الى العميق السحيق بهذا البطء المدمر الذي يسشتعره القاريء وهو يغوص في سطور 416 صفحة تقع فيها أحداث الرواية … فتارة كان يصور السقوط سريعا، وهو يتحدث عن الفواحش التي يرتكبها او يشارك في ارتكابها وعن شعوره المقيت حيال ذلك ورغبته الآسره في الهروب مما هو فيه، حتى لتكاد تحبس الانفاس ترقبا للارتطام الصاخب بالقاع في اي لحظة، وتارة اخرى يبدو السقوط بطيئا كدحرجة جسم ثقيل على سطح لم يمِل بما يكفي للدحرجة السريعة، يلتقط طارق في هذه الاثناء أنفاسه ويأتي بمزيد من الافعال السيئة في أحداث القصة الجانبية كقصته مع عمته وتنكره لشقيقته ولوالدته.
- مراجعة كتاب قوة التفكير الإيجابي نورمان فنسنت بيل
- مراجعة رواية الطاعون القرمزي جاك لندن
- مراجعة رواية الحب في زمن الكوليرا جابريل غارسيا ماركيز
“السقط هو الفعل الذي لوّث حياتي”يقول بطل الرواية… لم يكن طارق غافلا عن سقوطه التدريجي بل كان يتعذب به “في كل حالات التعذيب التي مارستها ضد الآخرين كان ثمة جسدان وروحان كل منهما يتعذب بصاحبه ” وعندما بلغ القاع وصف اللحظة بـ”كان آخر السقوط، استقرت الانقاض في مواقعها فلمحت الغبار الكثيف ينبعث من داخلي”
وصف الكاتب السقوط بأنه “حالة زمنية توصلك الى القاع في سرعة متناهية، وبفعل التجاذب تكون مهيأ لأن تسافر في لحظات السقوط المتعددة، وكل مرحلة تدنو بك من القاع تسجل حالة دنيا من حالات السقوط فالسقوط لا يحدث دفعة واحدة”
آخر السقوط وبلوغ القاع قد يكون بداية الصعود عندما تضرب القدمان القاع أملا في عودة تدريجية الى السطح وتنفس الهواء من جديد ولكن الكاتب صور سقوط طارق بأنه سقوطا مثقلا بالخطايا، كان سقوطا مدويا ليس منه نهوض.
المتميز في رواية ترمي بشرر عبده خال أيضا، جرأة الكاتب في تدعيم بعض أحداث روايته بالوثائق الصحافية الحقيقية، مثل ربطه خبر قتل المعتوه عند باب احد القصور بمقتل طارق الذي نوى أمام الكاتب على قتل السيد وهو على علم إن هذا الفعل سيأتي بنهايته، به جرأة لتأكيده إن السيد هو من الأمراء، وكذلك تجوال عيسى الرديني عاريا بين البنوك بعد إن خسر أمواله وربط الأمر بخبر صحافي نشر في تلك الفترة، كما جاءت تفاصيل نساء القصر لتوحي بواقعية الرواية على لسان طارق الذي كان بيده ملفات هؤلاء، أما متابعة مجريات الحياة لدى شخصيات الرواية فيما بعد أحداثها الرئيسية، ففيه إرضاء لفضول القاريء الذي يفضل معرفة النهايات كما حدثت (على افتراض واقعية الرواية) على النهايات المفتوحة.
