يؤكد المؤلف أن علم تاريخ الأديان الذي ظهر بصفته تخصصاً اكاديمياً مستقلاً وعلماً غير طائفي ولا ديني في الملتقى بين علم دراسة النصوص المقارنة وعلم الانثروبولجيا، قد تشكل في الثلث الأخير من القرن التاسع عشر، ولقد ظهر اولاً في فرنسا ثم في انكلترا، ثم في سويسرا وهولندا وبلجيكا.
لقد ازدهر هذا التخصص بسبب صعود العلمانية، ولكن تاريخ الأديان الذي وصفه ماكس فيبر بأنه سيكون «فك سحر العالم» سيظل موصوماً بتناقض مصادره على رغم انه نشأ في ظل حركة اوروبية، وهذه الحركة تقود جزءاً من العالم المسيحي، وليس كل كوكب الأرض. وليس من الضروري توضيح ذلك، ويمكن ان يبدو تاريخ الأديان نتيجة لرد الفعل على «فك سحر العالم» هذا، وذلك بتمييز الشعور الديني والخيال الديني بصفته تواصلاً طبيعياً واضحاً، ما دام تاريخ الاديان ينتج من وضع مسافة او من الابتعاد عن الدين.
ويؤكد بورجو، أنه لا يخفى على أحد أن تاريخ الأديان كان ولا يزال أمامه حاجزان كبيران تقليديان وشديدا المقاومة في الوقت الذي يدور الحديث في كل اوروبا عن الدور الذي يجب ان يضطلع به «علم تاريخ الاديان» في التعليم المدرسي العام، وهذان الحاجزان هما من ناحية: التوجس من وجهة نظر المؤمنين او ربما الكراهية التي من الممكن ان يحدثها اسلوب البحث غير المتدين، اي الأسلوب التاريخي النقدي، اي: الملحد او بالاحرى الكافر بالدين، ومن ناحية اخرى الشك الكبير الذي يمكن ان ينزرع – على العكس – في قلوب اتباع العلمانية المتصلبة من امكانية اتباع اسلوب دراسي لموضوع الدين غير محبذ…. لماذا؟
لأن بعضهم يعتقد ان تاريخ الاديان مهمته هي ابعاد الدين، على حين يعتقد الآخرون ان مهمته هي إدخال الدين من الباب الخلفي، وتكمن الخطورة في ان كل انسان يود في اعماق نفسه، سواء أكان سلبياً ام ايجابياً، معرفة ما المقصود بهذا التخصص: الدين، او الاديان.
والكتاب يحدثنا عن انه في ما يخص كلمة تاريخ يكفي القول ان الكلمة هنا مستخدمة في معناها العام الشامل، أي إجراء تحقيق او استقصاء. ويجب عدم جعل تاريخ الأديان مجرد عرض تطور ما نعرفه عن الأديان على مدى الزمان والمكان، او بالأحرى فإن مثل هذا العرض يجب ألا يكون سوى جانب من جوانب هذا التخصص، وربما يكون جانباً ثانوياً من هذا التخصص، إن المهمة الأساسية لتاريخ الأديان هي تحليل الوقائع التاريخية وبالطبع تلك الوقائع الموجودة داخل التاريخ، والتي من الضروري ان تكون مرتبطة به، على أن تكون مكرسة لأهداف أخرى غير متعلقة بالمشهد الخاص بتسلسل النسب.