كتاب ملوك شبه الجزيرة العربية هارولد ف. يعقوب ك. س. أي PDF

كلما ازداد الإنسان علياً ازداد ايمانا مما ورد في القرآن الكريم : ؤوما أوتيتم من العلم إلا
قليلا . » وكلما أدرك المزيد من أسرار الكون يرى نفسه عائدا الى مذهب اللاأدريين » أولثك الفلاسفة
المسلمين الذين انتهى بهم المطاف حول أسرار الطبيعة الى الاعتراف بالعجز والقصور حتى إذا سُثل
أحدهم عن مسألة من مسائلها كان جوابه : «لا أدري » .

والذي أدركه علم الانسان المعاصر » هذا الانسان الذي حسب نفسه قاب قوسين أو أدن من
سدرة المنتهى بما توافر له من علم لم يطمع به الأقدمون » هو أن هذا الكون العجيب المستعصي على
مدارك البشر حي كله متفاعل حتى الحجر » وان الموت والفناء اللذين هما نتيجة للصراع الدائم بين
أجزائه انما هما مجرد تحول من هيئة الى أخرى في سياق الحياة ؛ وان هذا الفناء الجزئي ؛ والتحول الكلي
هما معنى البقاء الدائم .

والاختلاف في المفاهيم عن هذا الكون بين علماء العصور السابقة وبينهم وبين العلماء
المعاصرين ؛ انما يعود الى تباين الوسائل وقوتها التي استعان كل منهم بها لكشف أسرار الطبيعة سواء
أكان ذلك بالعين المجردة » أو بالعين البصيرة عين العلم والمعرفة . أما الكون نفسه المرئيّ في كل زمان
على شكل خاص به فهو لم يتغير ولم يتبدل » وانما تبدلت مناظره حسب قرة النظارات التي استعان بها
الانسان على رؤيته سواء أكانت مادية أو علمية .

والواقع ان كل شيء في هذا الكون حتى الأحداث العارضة التي تقع في كوكبنا الأرضي تبدو
مختلفة الألوان باختلاف الأزمان » وباختلاف الوسائل المتوفرة لدى الانسان أسوة بهذا الكوكب .
ولذلك فان التاريخ جاء في ضعفه أو في قوته منسجاً مع مستوى درجة الثقافة الذي دون فيه : ففي
الماضي البعيد حينا كانت الأرض تبدو متباعدة الأطراف حيث كان كل قطر في عزلة عن سواه كان
المؤرخون حينذاك ضيقي الآفاق » فقيري المصادر » واذا نقلوا الأخبار فائما ينقلونها عن الرواة على
طريقة قال فلان عن فلان وهم كانوا اذا أشرفوا على الكون فانما يشرفون عليه من نافذة واحدة وذلك
بنظارات مختلفة الألوان » اما بيضاء فتروي الأحداث على نسق يمجد ذويهم » أو سوداء تنقّقص من شأن
أعداتهم .