في كتابه “مراكز الأبحاث في أمريكا”، يحدد توماس ميدفيتز ثلاثة عوامل ساهمت في نشأة مراكز الأبحاث الأمريكية”:
الأول: كان للرأسماليين القدرة على إنشاء آلية خاصة بهم للإنتاج الفكري نتيجة الثروة التي يملكونها جراء الحقبة الاستعمارية وعقب فترة من النمو الاقتصادي السريع.
ثانياً: التوسع السريع في المنظومة التربوية الأمريكية العليا خلال النصف الثاني من القرن العشرين، فقد وفرت الجامعات فئة جديدة من الخبراء المعتمدين في مجالات الإدارة والمحاسبة والاقتصاد والمال والشؤون الخارجية.
ثالثاً: اعتماد ظهور مراكز الأبحاث الأولى على وجود ثقافة تكنوقراطية رفيعة المستوى داخل نخبة المثقفين الأمريكيين، ولا سيما بعض المتخصصين في العلوم الاجتماعية.
في بدايات الستينات لقيت السلطة التكنوقراطية تحديات جاءت من خلال مجموعة من النشطاء السياسيين الذين سعوا إلى الحد من قوة التكنوقراط والتحذير من إخطارهم وقد سعى كل من النشطاء اليساريين والمحافظين إلى إنشاء أشكال جديدة من الخبرة تقوم على أسس أخلاقية في مقابل الأسس الفنية الخالصة التي تقوم عليها خبرة التكنوقراط، وتجسد ذلك من خلال ظهور العديد من المراكز البحثية من اليسار والمحافظين.
يرجع توماس ميدفيتز تطور مراكز الأبحاث المحافظة على حساب اليسارية منها إلى ثلاث أسباب:
الأول: هنالك ميزة كبيرة وهي تلقي الدعم المادي من مؤسسات التجارة الضخمة،
الثاني: التحرر النسبي من توجيه الدولة الذي كان يحيط أحياناً بمراكز الأبحاث اليسارية،
ثالثاً: التحرر النسبي من استحواذ الجامعة التي أحبطت أيضاً نمو مراكز الأبحاث التقدمية.
في كتابه “سماسرة الأفكار” يحدد جيمس ألان سميث ثلاثة أجيال لمراكز الأبحاث الأمريكية:
الجيل الأول من المؤسسات الأمريكية قام حوالي 1910، مع تصاعد إصلاح المرحلة التقدمية وحركة “الإدارة العلمية”، تأسست ودعمتها التبرعات الخيرية الخاصة.
الجيل الثاني الذي كان أول من حمل عنوان “مستودعات التفكير” نشأت عندما سعت الحكومة لطلب الخبرة التقنية المعقدة لمشروع الحرب الباردة للأمن القومي والحرب الداخلية القصيرة الأجل ضد الفقر، وقد تم تقديم خدماتها للحكومة على أسس تعاقدية.
الجيل الثالث وكان أكثر عدداً، لكن أقل ميزانية وعدد العاملين، تم تأسيسها في السبعينات والثمانينات وكانت مستودعات التفكير هذه نتاج الصراع الإيديولوجي والعديد منها تتجه للنشاط السياسي والدعاية السياسية أكثر من الاتجاه للعلم والمعرفة
صنع السياسات
إن مؤسسات الفكر لا تنتج الأفكار من أجل تخزينها، وإنما تنتجها من أجل أن تتمكن الجهات المستهدفة، بهذه الأفكار من الاستعانة بها في اتخاذ القرار الصحيح وفي الوقت المناسب، لذلك فإن هذه الجهات المستهدفة تتطلع أن تقوم هذه المؤسسات بالمهام المنوطة بها، ومن أجل ذلك توفر لها الدعم المالي وتسعى هذه المؤسسات إلى حل المشاكل القائمة أو المتوقعة، ولدعم مسارات المستقبل.