كتاب مدخل إلى القرن الأفريقي القبيلة والسياسة الصومال – إثيوبيا – إريتريا – جيبوتي عبد المنعم أبو إدريس علي PDF

هذا الكتاب جاء ثمرة لشغف متصل، وجهته، على الدوام، إلى القرن الأفريقي، وترافق مع هذا الشغف اهتمام بالسياسة ومآلاتها في هذه المنطقة. وقد شغلني كل هذا لأكثر من ربع القرن،

يأتي هذا البحث المهم في وقت تعاني منه شعوب منطقة القرن الإفريقي تراجعات كبرى في ظل إنهيار تام لدور الدولة المدنية وسيطرة السلاح والحروب الأهلية وسيطرة عدد من الديكتاتوريات العنيفة وغياب القانون ، كما ويشهد القرن حراكا شعبيا باسلا أثمر عن إنهيار وزوال الحكم السياسي في السودان بإنتصار حاسم حققه الشعب السوداني ضد حكم البشير والنظام الشمولي للجبهة القومية الإسلامية.كما وتتحرك إثيوبيا حثيثا نحو إرساء دولة القانون والعدالة والديمقراطية. يذكر ان الأستاذ عبد المنعم أبو إدريس من متابعي لشؤون وشجون القرن الإفريقي،كما يتمتع بشبكة علاقات واسعة مع مكوناته على كل المستويات وخاصة بالشعبين الإيرتري والإثيوبي. عبد المنعم أبو إدريس يعمل حاليا مراسلا لوكالة الصحافة الفرنسية بالخرطوم ، كما عمل في عدد من الصحف السودانية.

لم تجد منطقة القرن الأفريقي في السودان اهتماماً يتناسب مع خصوصية علاقته بها، فالدراسات السودانية عن المنطقة قليلة، بل تكاد تكون نادرة، كما لايوجد متخصصون سودانيون في شؤون القرن الأفريقي، سوى قلة قليلة، وبإنتاج علمي شحيح. ولعل ذلك يعود إلى الوجهة التي سار فيها السودان واختارها له قادته السياسيين منذ استقلاله وهي وجهة العروبة. فقد عبَّر الكثير من طلائع المتعلمين والقادة السياسيين عن حماستهم لعروبة السودان. حيث شهد عقدا الأربعينات والخمسينات من القرن الماضي، كما أخبرنا، على سبيل المثال، لا الحصر، الشيخ علي عبدالرحمن الأمين (1906- 1983) وخضر حمد (1910- 1970) في مذكراتهما، نشاطاً واسعاً من قبل الكثير من القادة السياسيين وارثي حكم السودان من المستعمر، من أجل التسويق لعروبة السودان والتمكين للثقافة العربية، دون اعتبار لمكونات السودان غير العربية، ودون اعتبار كذلك إلى الارتباط الجغرافي والتاريخي، والمشترك الثقافي والإثني بجواره ومحيطه الأفريقي. نتج عن ذلك النشاط الانحياز للمكون العروبي، ليس في رسم السياسات وتوجيه الرأى العام وتكييف العلاقات الخارجية، فحسب، وإنما دستورياً ظلت اللغة العربية هي اللغة الرسمية للدولة منذ الاستقلال وحتى اليوم، الأمر الذي تبعه عدم اعتراف باللغات المحلية، ومن ثم فرض اللغة العربية لتكون لغة التعليم والإعلام والتشريع.. إلخ في كل أنحاء السودان. في الوقت الذي ينعم فيه السودان بتعدد ثقافي نادر المثيل، بل وصفه بعض الباحثين، بأنه من حيث الأصالة والقدم، لا مثيل له في العالم، سوى ربما الولايات المتحدة الأمريكية، بيد أنها لا تدعي أصالة تاريخ تعود إلى آلاف السنين، كما هو حال السودان. على الرغم من ذلك ظل السودان يسير في الوجهة العروبية، وهي وجهة تناقض إرثه الحضاري، وتصادم “آركيوليوجيته الثقافية”، وتناطح تركيبة شعوبه الوجدانية. فأفضى ذلك المسار، إلى جانب عوامل أخرى بالطبع، إلى انفصال جنوب السودان عام 2011، وتفجير الانتماءات الإثنية والجهوية، واشتعال الحروب، وتفشي مناخ التشظي في جنباته، إلى جانب اغتراب السودان عن محيطه الأفريقي ومجافاته لجواره في القرن الأفريقي.