كتاب صفوة التصوف محمد بن طاهر بن علي ابن القيسراني PDF

جاء الإسلام بجملة من الأحكام الشرعية؛ منها اعتقادية كالإيمان بالله
وملائكته وكتبه ورسله؛ ومئها عملية كالعبادات والمعاملات. واعتبرت الأولى
أصولاً» ومن تكلم في المعزفة والتوحيد كان أصولياً» والثانية فروعاً؛ ومن
تكلم في الطاعة والشريعة؛ كان فروعياً.

فالأحكام الاعتقادية تعرف باسم علم الكلام؛ أما الأحكام العملية على
اختلافهاء هي علم الفقه. ا

وهنا يجب أن نميز بين علم الكلام وعلم التصوف» فعلم التصوف يعتبر
الأحكام الشرعية» نظرية كانت أو عملية؛ من ناحية آثارها في قلوب المتعبدين
بهاء فهو يعني بجانب السلوك» والأخلاق على أساس من الذوق الروحي
والوجدان القلبي.

والواقع أن التمييز بين علوم الكلام والفقه والتصوف شكلي محض.
فعلم الفقه مستند إلى علم الكلام؛ وعلم التصوف مستند إلى علمّي الكلام
والفقه؛ إذ لا بد للصوفي من علم كامل بالكتاب والسنة؛ لكي يصحح
اعتقاداته وعباداته ومعاملاته على اختلافها .

والفصلت هذه العلوم بعضها عن البعض الآخر نتيجة للتخصص العلمي
الدقيق؛ وهو أمر ظهر في الإسلام في وقت متأخر؛ وبهذا التخصص سار كل
علم على قواعد ومناهج خاصة»؛ فتميز عن غيره من العلوم بموضوعه ومنهجه
وغايته.

أصبح علم التصوف بعد القرن الثالث الهجري/ التاسع الميلادي حركة
عامة واسعة؛ كانت تسيّره روحانية عميمه تشرق في قلب العبد؛ وهذا المريد

كان اسمه المتصوف» ويقول الغزالي عنه في كتابه «المنقذ من الضلال»: «إن
الصوفية هم السالكون لطريق الله تعالى» خاصة وأن سيرتهم أحسن السيرء
وطريقهم أصوب الطرق؛ وأخلاقهم أزكى الأخلاق؛ لو جمع عقل العقلاء»
وحكم الحكماء؛ وعلم الواقفين على أسرار الشرع من العلماء ليغيّروا شيئاً من
سيرهم وأخلاقهم» وبدلوه بما هو خير منه لم يجدوا إليه سبيل.!!”

إذا التصوف هو أدب أخلاقي» وقد لعبت التجارب الشخصية دوراً في
سيره» وفي فهم الواقع؛ وأمور الدين من ورع وتقوى» ومثل عليا كالصدق
والواجبات والفضائل .

في عملنا هنا لم ندرس نمو التصوف وإشراقه والأسباب التي ساعدت
على انتشاره؛ فبعضها يحتاج إلى مجلدات» كما أن بعضها الآخر يعتبر إبرازه هنا
نوعاً من التكرار. ولهذا لفتنا النظر إلى أن التصوف أصبح يشكل خطراً على
الحياة الدينية في تلك الحقبة (أي القرن الثاني والقرن الثالث الهجري)؛ إذ خرج
بعض المتصوفة عن المألوف لسنة الرسول» والدين الإسلامي؛ لشدة وجدهم
رمحبتهم؛ مما جعل التصوف فلسفة دينية لها حدود ورسوم وضوابط؛ وكادت
هذه الحياة الروحية في الإسلام أن تطغى على الدين الإسلامي.

عندما صار التصوف يشكل خطراً؛ قام بعض رجال الفكر والدين معاً
لإرجاع التصوف إلى حظيرة الإسلام بصورته العملية والروحية؛ فكانت
الروحانية العلمية التي أغرم المسلمون بهاء ولاقوا في سبيلها الشدائد وجابوا
البلاد. هذه الروحانية يعز مثيلها على وجه الأرض» فأخرجت لنا هذه الحقبة
التي عاش بها المقدسي» أقطاب علم وعلماء حديث وعلماء تفسير وفقه .
ومعرفة وتصوف. :