من شأن أحدث التطورات في علم الفيزياء أن تحثَّنا على أن نراجع فهمنا للعالم مراجعةً جذرية: بنْيته، وتطوره، والقوى الأساسية التي تحركه. وهذا الكتاب يقدِّم نظرة شاملة وسهلة الاستيعاب لهذه التطورات.
تستكشف ليزا راندل دور كلٍّ من المخاطرة والإبداع والشك والجمال والحقيقة في التفكير العلمي؛ وذلك عبر محاورات مثيرة مع شخصيات بارزة في مجالات أخرى (على غرار الطاهي ديفيد تشانج، ونيت سيلفر المهتم بوضع التوقعات، وكاتب السيناريو سكوت دريكسون)، وتفسِّر بأسلوب رشيق وجَلِي أحدث الأفكار في علم الفيزياء وعلم الكَونيات. كما تصف لنا طبيعة وأهداف أكبر ماكينة صُنعَت على الإطلاق: مصادم الهادرونات الكبير — معجل الجسيمات الهائل الحجم القابع أسفل الحدود المشتركة بين فرنسا وسويسرا — كما تستعرض الفِكَر الحديثة الخاصة بعلم الكَونيات والتجارِب الحالية المتعلقة بالمادة المظلمة.
إن هذا الكتاب، الذي يعده الكثيرون أكثر الكتب العلمية الصادرة في السنوات الأخيرة شمولًا وإثارة، يبرز أكبر الأسئلة العلمية التي نواجهها، ويوضح كيف أن الإجابة عن هذه الأسئلة يمكن أن تخبرنا في نهاية المطاف بالكثير عن أنفسنا وعن نشأتنا.
إن الأساليب التي يتبعها العلماء حاليًّا هي التجسيد الأحدث لتاريخ طويل من القياسات والملاحظات التي تطوَّرت على مدار الزمن لتأكيد صحة الأفكار العلمية، أو استبعادها — على نحو مساوٍ في الأهمية. وهذه الحاجة إلى تجاوُز فهمنا الحدسي للعالم من أجل تحقيق التقدم في إدراكنا، تعكسها لغتُنا. فمصدر الفعل «يفكِّر» في اللغات الرومانسية — pensum — مأخوذ من فعل لاتيني معناه «يَزِن»، يشير ذلك إلى أن متحدِّثي اللغة الإنجليزية «يزِنون» الأفكار أيضًا.
والكثير من المدارك التكوينية التي مهَّدَتِ الطريق للعلم ليصل إلى شكله المعاصر تطوَّرتْ في إيطاليا في القرن السابع عشر، ولعب جاليليو دورًا رئيسيًّا في هذا التطور؛ فقد كان من أوائل مَن قدَّروا القياسات غير المباشرة — وهي القياسات التي تُجرَى باستخدام جهاز وسيط — وطوَّروها، بالإضافة إلى كونِه أول مَن صمَّم التجارب واستخدمها كوسيلة لإثبات صحة الحقائق العلمية، هذا فضلًا عن إدراكه التجارب الفكرية المجردة التي ساعدته في تشكيل أفكاره وصياغتها صياغةً مُتَّسِقة.
اطَّلَعْتُ على أفكار جاليليو العديدة التي أحدثت تغييرًا جوهريًّا في العلم، وذلك عند زيارتي لمدينة بادوا في ربيع عام ٢٠٠٩. دفعني لهذه الزيارة حضور مؤتمر عن الفيزياء نظَّمَه أستاذ الفيزياء، فابيو زويرنر، أحد أبناء هذه المدينة. كان من الدوافع الأخرى كذلك الحصول على درجة «مواطنة شرفية» لهذه المدينة. سعدتُ في تلك الزيارة بالالتقاء بزملائي الفيزيائيين الذين جاءوا لحضور المؤتمر، بالإضافة إلى المجموعة الموقَّرة من «المواطنين» الآخَرين، ومن بينهم الفيزيائيون ستيفن واينبرج، وستيفن هوكينج، وإد ويتن. وفوق كل ذلك، سنحت لي الفرصة جَنْي بعض المعرفة عن تاريخ العلم.
جاءت زيارتي في توقيت ممتاز؛ إذ وافَقَ عام ٢٠٠٩ الذكرى السنوية الأربعمائة لعمليات الرصد السماوية الأولى التي أجراها جاليليو. وكان مواطنو بادوا مَعْنيِّين بوجه خاص بهذا الشأن؛ نظرًا لأن جاليليو كان يُلقِي المحاضرات في الجامعة الموجودة في تلك المدينة أثناء فترة إجرائه لأبحاثه المهمة. ولإحياء ذكرى عمليات رصده الشهيرة، نظَّمت مدينة بادوا (وكذلك بيزا، وفلورنسا، والبندقية — وهي المدن الأخرى التي لعبت دورًا هامًّا في حياة جاليليو العلمية) عروضًا وفعاليات على شرفه. وجرت المناقشات حول الفيزياء في قاعة بمركز ألتيناتى الثقافي (أو سان جايتانو)، وهو المبنى نفسه الذي استضاف المعرض المذهل الذي احتفى بالإنجازات العديدة الملموسة لجاليليو، وألقى بالضوء على الدور الذي لعبه هذا العالِم في تغيير معنى العلم اليوم وتحديده.