اعلم أن شرف العبادة الإخلاص . وحسن الطاعة ما يوجب الخلاص . وان من أرجح أبوابه . وأنجح أسبابه . التذلل بين يدي الله سبحانه وتعالى والخضوع ببابه . بكثير الدعوات والأذكار . ومزيد المناجاة والاستغفار . والصلاة على النبي المختار . لما في ذلك من الحث الحثيث . في الكلام القديم . وصحيح الحديث . فمن ذلك . قوله تعالى في محكم كتابه . ومنزل خطابة ( ادعوني أستجب لكم ) مع ثنائه على من دعاه بغاية الذل والخضوع . وكمال الحضور والخشوع . بقوله تعالى . في محكم كتابه المبين . (انهم كانوا يسارعون في الخيرات . ويدعوننا رغبا ورهبا وكانوا لنا خاشعين) . وقد جاء في محكم قوله تعالى . (واسئلوا الله من فضله) . وقال عز من قائل . (وإذا سألك عبادي عني فاني قريب أجيب دعوة الداع إذا دعان) الآية . وقال جل وعلا (ادعوا ربكم تضرعا وخفية) . وقال جل شأنه . (قل ادعو الله أو ادعوا الرحمن) . الآية . وروي عن أبي هريرة رضي الله عنه أنه صلى الله عليه وسلم قال ليس شيء أكرم على الله عز وجل من الدعاء . وقال صلى الله عليه وسلم إن العبد لا يخطيه من الدعاء إحدى ثلاث . أما ذنب يغفر له . واما خير يجعل له . واما خير يدخر له . وفي الحديث الشريف من لم يسأل الله يغضب عليه ليسال أحدكم ربه حاجته كلها حتى شسع نعله إذا انقطع وخرج المحاملي وغيره . قال الله تعالى من ذا الذي دعاني فلم أجبه .وسألني ولم أعطه . واستغفرني فلم أغفر له . وأنا أرحم الراحمين .وقد قال الله تبارك وتعالى لموسى يا موسى سلني في دعائك حتى ملح عجينك . وفي الحديث الشريف أيضا إن الله يحب الملحين في الدعاء أي والمخلوق يغضب وينفر عند تكرار السؤال . وانشدوا :
لا تسألن بُنـيّ آدم حاجـةوسل الذي أبوابه لا تحجب
الله يغضب ان تركت سؤالهوبني آدم حين يسأل يغضب
فشتان بين هذين . وسحقا لمن تعلق بالأثر وأعرض عن العين . ومما جاء في طلب الذكر وفضله . والحث على فعله . من الآيات الصريحة والأحاديث الصحيحه . قوله تعالى .(يا أيها الذين آمنوا اذكروا الله ذكرا كثيرا) . وقال تعالى . (واذكروا الله كثيرا لعلكم تفلحون) . وقال جل جلاله (والذاكرين الله كثيرا والذاكرات) . وقال تعالى (ولذكر الله أكبر) . وقال جل شأنه . (فاذكروني أذكركم) . وقال جل ذكره . (الذين يذكرون الله قياما وقعودا وعلى جنوهم) الآية .. وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى عليه وآله وسلم قال يقول الله عز وجل: (أنا عند ظن عبدي بي . وأنا معه حين يذكرني فان ذكرني في نفسه ذكرته في نفسي وإن ذكرني في ملأ ذكرته في ملأ خير منه الحديث) وعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم . قال: (إن لله تعالى ملائكة سيارة يتبعون مجالس الذكر فإذا وجدوا مجلسا فيه ذكر الله قعدوا معهم وحف بعضهم بعضا بأجنحتهم حتى يملؤا بينهم وبين السماء الدنيا فإذا تفرقوا عرجوا وصعدوا إلى السماء قال فيسألهم الله عز وجل وهو أعلم بهم من أين جئتم فيقولون جئنا من عند عباد لك في الأرض يسبحونك ويهللونك ويمجدونك ويسألونك قال وما يسألوني قالوا يسألونك جنتك . قال وهل رأوا جنتي قالوا لا يا رب قال فكيف لو رأوا جنتي . قالوا ويستجيرونك قال وممن يستجيروني . قالوا من نارك يا رب قال وهل رأوا ناري قالوا لا قال فكيف لو رأوا ناري .قالوا ويستغفرونك قال فيقول الله تعالى قد غفرت، هم القوم لا يشقى جليسهم) . وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم (أصبح وأمس لسانك رطب بذكر الله تصبح وتمس وليس عليك خطيئة) وقال صلى الله عليه وسلم . (لذكر الله عز وجل بالغداة والعشي أفضل من حطم السيوف في سبيل الله ومن أعطاه المال سحا) . ويروى أن في الجنة ملائكة يغرسون الأشجار للذاكرين فإذا فتر الذاكر فتر الملك ويقول فتر صاحبي . ومما جاء في فضل الاستغفار .وطلب الزيادة منه والاستكثار . قوله تعالى . (والذين إذا فعلوا فاحشة أو ظلموا أنفسهم ذكروا الله فاستغفروا لذنوبهم ومن يغفر الذنوب إلا الله) وقوله تعالى (ولو أنهم إذ ظلموا أنفسهم جاؤك فاستغفروا الله واستغفر لهم الرسول لوجدوا الله توابا رحيما) . وقال عز وجل (ومن يعمل سوءا أو يظلم نفسه ثم يستغفر الله يجد الله غفورا رحيما) . وقال جل وعلا (فسبح بحمد ربك واستغفره إنه كان توابا) . وقال جل جلاله (والمستغفرين بالأسحار) . وقال صلى الله عليه وسلم (من أكثر من الاستغفار جعل الله عز وجل له من كل هم فرجا ومن كل ضيق مخرجا ورزقه من حيث لا يحتسب) . وقال صلى الله عليه وسلم (اني لأستغفر الله تعالى وأتوب إليه في اليوم سبعين مرة) .
هذا مع أنه صلى الله عليه وسلم غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر ومن هذا الحديث الشريف وآية (استغفر لهم أو لا تستغفر لهم ان تستغفر لهم سبعين مرة) الآية . اختار بعض ساداتنا الرفاعية قدست أسرارهم العليه . هذا العدد المذكور في بعض أورادهم الشريفة . وبعضهم أستحسن الزيادة عليه لحكمة ذكروها ولقوله صلى الله عليه وسلم (انه ليغان على قلبي حتى اني لاستغفر الله تعالى في كل يوم مائة مرة) . ومما جاء في فضل الصلاة والسلام على خير الأنام عليه أفضل الصلاة والسلام قوله تعالى (إن الله وملائكته يصلون على النبي يا أيها الذين أمنوا صلوا عليه وسلموا تسليما) وروي أنه صلى الله عليه وسلم جاء ذات يوم والبشرى ترى في وجهة . فقال أما ترضى يا محمد أن لا يصلي عليك أحد من أمتك صلاة واحدة إلا صليت عليه عشرا . ولا يسلم عليك أحد من أمتك إلا سلمت عليه عشرا . وقال صلى الله عليه وسلم من صلى علي صلت عليه الملائكة ما صلى علي فليقلل عند ذلك أو ليكثر . وقال صلى الله عليه وسلم (بحسب المؤمن من البخل أن اذكر عنده فلا يصلي علي) . وقال صلى الله عليه وسلم (إن في الأرض ملائكة سياحيين يبلغوني عن أمتي السلام) . وقال صلى الله عليه وسلم (ليس أحد يسلم علي إلا رد الله علي روحي ومعنى روحي هنا سمعي حتى أرد عليه السلام) . وأمثال ذلك في الكتاب والسنة والأثر أكثر من أن يذكر . وأزيد من أن يعد ويحصر . فهنيئا لمن ذكر الله فقد أستوجب رضاه وطوبى لمن استجاب له دعاءه فقد أحسن له جزائه. ويا سعادة من صلى عليه ربه . فقد زال عنه كربه . ويا فوز من صلت عليه ملائكته . فقد أدركته رحمته . ويا نجاة من سلم عليه الرسول . فقد فاز بالقبول وفتح له الباب وأدرك المأمول :
أفلح الزاهدون والعابدونـاإذ لمولاهم أجاعوا البطونا
أسهروا الأعين العليلة حبافانقضى ليلهم وهم ساهرونا
شغلتهم عبـادة الله حتـىحسب الناس ان فيهم جنونا
يعتبر “الإمام أحمد الرفاعي”، من أقطاب الصوفية، وإليه تنتسب الطريقة الرفاعية، ويلقب بـ”أبو العلمين”، و”شيخ الطرائق”، و”الشيخ الكبير”، و”أستاذ الجماعة”.
من مؤلفاته: تفسير سورة القدر، والطريق إلى الله، وشرح التنبيه في الفقه.. جمع كلامه في رسالة دعيت رحيق الكوثر.
– نسبه ومولده:
أبو العباس أحمد بن علي بن يحيى بن ثابت بن الحازم علي أبي الفوارس بن أحمد المرتضى بن علي بن رفاعة الحسن المكي بن محمد مهدي المكي، بن حسن القاسم، بن حسين، بن أحمد الأكبر، بن موسى الأصغر، بن إبراهيم المرتضى، بن موسى الكاظم، بن جعفر الصادق، بن محمد الباقر، بن علي زين العابدين، بن السيد الإمام أمير المؤمنين الحسين، بن الإمام أمير المؤمنين على بن أبي طالب، وأم الحسين سيدة نساء العالمين فاطمة الزهراء بنت الرسول محمد ، بن عبد الله بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف بن قصي بن كلاب بن مرة بن كعب بن لؤي بن غالب بن فهر بن مالك بن النضر بن كنانة بن خزيمة بن مدركة بن إلياس بن مضر بن نزار بن معد بن عدنان.
ولد الإمام أحمد الرفاعي سنة 512 هـ في العراق في قرية حسن بالبطائح (والبطائح عدة قرى مجتمعة في وسط الماء بين محافظتي واسط والبصرة)، وفي السابعة من عمره توفي أبوه في بغداد فكفله خاله الشيخ الزاهد منصور البطائحي. وهو الذي رباه تربية دينية.