كتاب الإنسان الفيلسوف عن أسئلة الأطفال وإجابات الحكماء معاذ بني عامر PDF

كتاب الإنسان الفيلسوف عن أسئلة الأطفال وإجابات الحكماء معاذ بني عامر PDF ، تحميل الكتاب مباشر من موقع المكتبة نت أكبر مكتبة كتب PDF ، تحميل وتنزيل مباشر وقراءة أونلاين كتب الكترونية PDF مجانية.

لربما شكلّت أسئلة الأطفال الساذجة والبسيطة دلالة مهمة على توجّه إنساني عميق ناحية البحث الدؤوب عن إجابات جديدة لأسئلة الذات الفردية حول ما يعتمل في عقلها بشأن الوجود وحادثاته، والشغف الكبير الذي ينطوي عليه هذا التوجّه لإعادة تفسير العالَم مرة جديدة. لكن القمع -حتى وإن أخذ طابعاً حِبّياً وفكاهياً- المتواصل لهكذا أسئلة، سيُحطّم الإمكان الفلسفي الذي ينطوي عليه هذا العقل الطفولي في صيغته الفردية، ويجعله شيئاً فشيئاً ينكمش ناحية الداخل كَمَن أصابه حريق في عقله، وبدأ يضمر ويتآكل خوفاً مما ينتظره من عقاب كلما شرع في طرح سؤال ما، إلى حدّ قد تنتهي جميع أسئلته، أو على الأقل تختفي في زاوية قصية من زوايا لاوعيه؛ فالشعور الإثمي الذي يتطوّر مع هذا الطفل كلما تقدّم خطوة أخرى ناحية الأمام، يأكل أسئلته ويلتهمها، وما إن يصل إلى سِنٍّ معينة يكون قد انتهى على المستوى الفلسفي وحال إلى أثر بعد عين.

ولربما -أيضاً- كان هذا التوجّه توجهاً هشّاً في عموميته، من زاويتين:
الأولى، عفوية؛ نظراً للطبيعة غير العاقلة لهذه الأسئلة وعدم التحضير لها، وإن كانت الإجابة عنها تتطلب حضوراً عقلياً كبيراً. فمثل هذه الأسئلة تعاني أصلاً من هشاشة كبيرة، ثم لا تفتأ تتوالد هذه الهشاشة كلما قُمعت وحوربت من قبل الآباء والأمهات.
الثانية، عدم تمتينها وتقوية بنيانها، وذلك بالاشتغال عليها وتعزيز سياقاتها المرة تلو الأخرى. وهنا ستعمل المنظومة المقموعة للطفل جنباً إلى جنب مع منظومة القمع الخارجية، لتقفا في وجه هذه الأسئلة لإضعافها والحدّ من قوتها، وذلك بقتلها في المهد، تحت وطأة عدم ملاءمتها للسياق العام أو خدشها للحياء العام أو جرأتها الدينية أو تجاوزها لحدّ اجتماعي أو ثقافي معيّن.
لكن يمكن تحويل هذه الهشاشة إلى سياق فاعل وقوي، إذا ما اشتُغِل على عفوية تلك الأسئلة الطفولية، وتمتين أنساقها، لغاية تحويل الفلسفة -القائمة أساساً على تساؤلات جوهرية حول طبيعة الحياة الإنسانية وموقف الإنسان من العالَم الذي يعيش فيه، بعيداً عن الإكراهات والاستلابات والإجابات التي جهّزها وأنجزها العقل الجمعي- من سياق خاص ببعض الناس إلى سياق عام يطال كل الناس. فبإزاء هذا التحويل (من – إلى؛ من الخاص إلى العام)، سينبثق السؤال المحوري هَهُنا: هل يمكن للإنسان أن يتفلسف على الإطلاق، أم إن فعل التفلسف خاص بأناس بعينهم؟
أنا أقول إن الإنسان فيلسوف بالضرورة طالما أنه يملك عقلاً، ولديه القدرة على إعمال هذا العقل في مادة العالَم الذي يعيش فيه. لكن قدرة الإنسان على التفلسف “تقل/ تزيد” وفقاً لتوافره على بيئة مُشجعة ومُحفّزة لتساؤلاته حول جوهر الحياة الإنسانية وتعالقاتها مع الإله والإنسان والعالَم. ففي العموم لا فرق يكاد يذكر بين الأسئلة العفوية لطفل صغير وأسئلة ديكارت أو أسئلة الفارابي حول الوجود، إلا لناحية الدربة والمران المُتكرّر على أسئلة بعينها وتفجير حقولٍ من الدلالات المعرفية حولها. إذ يمكن -إذا ما توافرت البيئة المناسبة والمُشجعة- تنمية حِراك الأسئلة العفوية عند الطفل والتدرّج فيها إلى حدّ يصبح معه هذا الطفل قادراً على اجتراح نظرية جديدة يستطيع بموجبها تقديم تفسير جديد للعالَم؛ وحتى لو لم يستطع أن يجترح نظرية جديدة لتفسير العالَم، فإنه يكون قد حقّق شرطه العقلي عبر سؤال دائم حول موقفه من العالم بعيداً عن إكراهات واستلابات العقل الجمعي -قد يلتقي/ يختلف/ يعدّل/ يضيف/ يهذّب/ يشطب… إلخ، بشرط أن يُعمل عقله، لا أن يُسلّم تسليماً إيمانياً بكلّ شيء من اللحظة الأولى- وما يمكن أن يفرضه على التساؤلات الفردية من حَجْر مبدئي مُضرٍ.
فالإنسان -والحالة هذه- قد يكون حدّاداً وفيلسوفاً في الوقت ذاته، والإنسان قد يكون راقصةً وفيلسوفة في الوقت ذاته، وقد يكون مزارعاً وفيلسوفاً في الوقت ذاته؛ إذ إن شبكة الأسئلة التي انبثقت في عُمر معيّن ثم بدأت بالتنامي التدريجي، أخذت لها طريقاً إلى عموم العقل الجمعي وليس إلى عقل فردي واحد، فالنشاط الفردي الحماسي والمحموم سيتخلّق إذا ما تراكم نسقاً فاعلاً على المستوى الجمعي، إذ تتحوّل الأمة بأسرها إلى فلاسفة وإن بمستويات مختلفة. لكن مع الاحتراز من فكرة التسليم بما تمّ التوصّل إليه من إجابات عن الأسئلة المطروحة، لأن أي تسليم سيفضي إلى هلاك كبير، ستكون نتائجه كارثية على الفرد والأمة. لذا من بدهيات التفلسف والبقاء على قيد الحياة على المستوى الحضاري، الإبقاء على شعلة الأسئلة منارة، لكي لا يصل الإنسان إلى حالة من الطمأنينة المميتة.

تحميل وقراءة أونلاين كتاب الإنسان الفيلسوف عن أسئلة الأطفال وإجابات الحكماء معاذ بني عامر PDF