كتاب أخلاق كونية لثقافات متعددة بيير سيزاري بوري سافيريو مارشينيولي PDF

إن المقارنة المعقلنة للأديان بعد ضروري في فهم الحضارات الكبرى التي امتزج تاريخها بتاريخ أديانها، باعتبار هذه الأديان وقائع حضارية ساهمت في هيكلة العقليات لفترات طويلة وما زال أثرها سارياً في الحياة الاجتماعية العامة وآليات التفكير العميقة. والمقاربة المعقلنة لا تتنافى ودراسة كل الظواهر ومنها ما لا يبدو عقلانياً، أو أنه بالأحرى يخضع لعقلانية غير تلك التي تقوم عليها المعرفة العلمية. فالمجتمعات لا تتطور بمقتضيات العقل المنطقي بل عكس ذلك هو الغالب. كما أن العديد من القضايا الراهنة لا تفهم إلا من خلال امتداداتها البعيدة في التاريخ، وعلاقاتها بعصور سابقة كانت اللغة الدينية فيها لغة التعبير عن حاجات الإنسان وتطلعاته، وكانت عميقة الغور في كل ما ينتجه البشر من معارف أو يقدمون عليه من أعمال. وحيث ما أردنا أن نسبر أعماق الذاكرة الجماعية اصطدمنا بالعامل الديني مكوناً تاريخياً من مكوناتها. كان المهم من وجهة نظرنا تقريب نصوص الأديان العالمية إلى عموم القراء وتقديم نصوص مقتبسة من تقاليد دينية مختلفة تجمع بينها وحدة الموضوع وتطرح جميعاً رؤى متعددة للأخلاق، بل هي رؤى متعددة للحقيقة الإنسانية من خلال القضية الأخلاقية. وأملنا أن تتطور الدراسات الحديثة المقارنة لأديان والحضارات في مجتمعاتنا العربية وينفتح الفكر العربي على المجادلات الفلسفية الحديثة في المسألتين الأخلاقية والدينية.

إن هذا الكتاب هوء قبل كل شيء؛ عبارة عن وسيلة من وسائل التعليم
والتدريس» فهو يحتوي على مجموعة نصوص مختارة اقتطعت من بطون كتب التراث
القديمة التي تُعتبر أساسيّة لفهم واستيعاب بعض الثقافات العريقة؛ بدءاً من تاريخ نشأتها.
وهو يعكس بدقّة سلسلة المحاضرات والدروس التي ألْقِيْتُ» منذ عدّة سنوات» في
نطاق تدريس مادة الفلسفة الأخلاقيّة في كلَيَّة العلوم السياسيّة بجامعة بولونيا
ولقد سبق إعداد هذا الكتاب خبرة تعليمية ضمت مجموعة من الشبّان من خارج
إطار الجامعة. فخلال فترة عصيبة ومظلمة أحاطت بهؤلاء كان من الصعب فيها إيجاد
قاسم مشترك بينهم» قزرنا أن نقوم بقراءة نصوص أساسية لاستيعاب وفهم أفكار المرء
وواجباته كما تتصورها بعض الحضارات الإنسانية المهمة. إنّ الفكرة التي تكمن وراء
اختيارنا التعدّدية التاريخية حسب وجهات النظر الأخلاقية؛ لم تنشأ من منطلق المنظور
النسبيء بل من منظور البحث عمًا يمكن اعتباره موضوعية جامعية جديدة؛ وذلك عبر
توسيع تعريف المصطلح الكلاسيكي ليشمل مؤلفين ومؤلفات من خارج نطاق ما يسى
بالغرب.
فمن هذا المنظور» لم يكن العمل الذي كنا نسعى إلى القيام به نظرياً ولا منهجياً
بشكل محضء بل كان يهدف إلى إمكانية قراءة نصوص تعود إلى ثقافات مختلفة جداء
غير متناسين في الوقت ذاته وجهة نظر وأفق كل واحد منًا. ولذلك فقد تمّ أولاً القيام
بهذه التجربة التعليمية مع مجموعة صغيرة من الشباب»؛ فقمنا بقراءة أفلاطون
والباجافاديجيتا وكاتها – أوبانيشد والدهاتبادا وكونفوشيوس ولاوتسي وسينيكا ومرقس
أوريليوس والغزالي. وأثناء قراءتنا لهذه اللصوص» يمكنني القول بأنّنا كنا نختبر الطبيعة
الخاصّة لتلك المصادر والقدرة الموضوعية لمثل تلك المصتفات.